أوراق بيضاء
القوى اليمنية العاملة المغتربة تحت التهديد: الدور الحيوي للتحويلات المالية في الحد من الانهيار الاقتصادي
ملخص تنفيذي
على مدى عقود، دفعت شحة فرص كسب العيش في اليمن، مئات آلاف اليمنيين للسفر نحو الخارج بحثاً عن عمل، ونظراً للعجز المزمن في الحصول على التعليم الجيد في اليمن، فقد كان غالبية هؤلاء من العمال غير الماهرين أو شبه الماهرين، وقد كان لقرب السعودية وقوة اقتصادها القائم على النفط أن جعلها وجهة طبيعية لمعظم القوى اليمنية العاملة في المهجر، كما أن الازدهار الاقتصادي في دول الخليج في السبعينات والثمانينات من القرن الماضي، مع الطلب الموازي على العمالة، جذب الكثير من اليمنيين للعمل في الدول الخليجية، فيما فتحت السعودية حدودها أمام اليمنيين دون متطلبات تأشيرة.
بعد حرب الخليج الثانية (1990-1991) – وقرار الحكومة اليمنية بعدم دعم قرارات مجلس الأمن بشأن التدخل الدولي لإخراج جيش العراق من الكويت – تم ترحيل العمال اليمنيين قسراً من دول الخليج، وقد أدى ذلك لعودة حوالي مليون يمني من السعودية وحدها، وإلى جانب تزايد الطلب على الخدمات العامة والضغط على سوق العمل، نتج عن خسارة تحويلات هؤلاء العمال تدهور اقتصادي سريع واضطراب اجتماعي في اليمن، يعتبر بدوره عاملاً مساهماً في الحرب التي شهدتها البلاد عام 1994 وكذلك الأزمة الاقتصادية الحالية.
عام 1990، بادرت الرياض أيضاً إلى إطلاق برنامج لزيادة نسبة مواطنيها من القوى العاملة، إلا أنه لم يتم تنفيذه في ذلك الوقت، وهكذا، وعلى مدى العقدين التاليين، ارتفع عدد اليمنيين العاملين في المملكة تدريجيا إلى مستويات ما قبل 1990، وفي أعقاب انتفاضات الربيع العربي عام 2011 في كثير من دول المنطقة ومنها اليمن، ازدادت المخاوف الأمنية في دول الخليج، وكذلك رغبة هذه الدول في توفير فرص العمل لمواطنيها، وهكذا في 2011، تمت إعادة تنشيط حملة السعودية لسعودة سوق العمل، ليصبح ذلك جزءاً من الخطة الاقتصادية "رؤية 2030" التي أعلنت عنها الرياض عام 2013.
أصبح تأثير هذه السياسات أكثر وضوحاً في السنوات الأخيرة، حيث زادت القيود على عدد فئات الوظائف المتاحة للعمالة الوافدة، مع زيادة رسوم الإقامة والعمل في السعودية ولا سيما بالنسبة للعمال المسجلين قانونياً وعائلاتهم، فضلاً عن العمال غير المسجلين الذين يعانون دوماً من الاستغلال وعدم الاستقرار، إلى جانب الحملات السعودية لإلقاء القبض على العمال غير القانونيين وطردهم من البلاد، وقد أدى كل ذلك إلى إجبار عشرات الآلاف من اليمنيين المغتربين هناك على العودة إلى وطنهم.
وفي الوقت نفسه، بدأت السعودية والإمارات في مارس من العام 2015 تدخلاً عسكرياً في اليمن دعماً للحكومة اليمنية المعترف بها دولياً، والتي كانت جماعة الحوثيين المسلحة قد طردتها من العاصمة، وأدى تصاعد هذا النزاع إلى انهيار اقتصادي واسع النطاق في اليمن، وإلى خسارة جماعية لموارد الرزق، وتوقف الصادرات النفطية التي كانت في السابق أكبر مصدر للعملة الأجنبية في البلاد، والنتيجة أن بقاء ملايين اليمنيين على قيد الحياة أصبح يعتمد على التحويلات المالية التي يرسلها أقاربهم العاملون في السعودية وفي أماكن أخرى، كما أصبحت هذه التحويلات – التي يبلغ مجموعها مليارات الدولارات سنوياً – هي المورد الأساسي للعملة الأجنبية في السوق المحلية، وهي مسألة حاسمة لتسهيل استيراد السلع الأساسية، وهكذا نجحت التحويلات التي ترسلها القوى العاملة اليمنية المغتربة في الحد من أزمة الأمن الغذائي في البلاد، وهي بالفعل الأكبر في العالم، وكان يمكن أن تكون أسوأ بكثير لولا هذه التحويلات.
في حال استمر الترحيل الجماعي الجاري حالياً للعمالة الوافدة في السعودية وبنفس الوتيرة المتسارعة، فسيكون لذلك عواقب اقتصادية وإنسانية كارثية أخرى على اليمنيين، وهذا بدوره سيحفز المزيد من الاضطراب الاجتماعي والاقتصادي والسياسي في جميع أنحاء اليمن، وسيخلق بيئة مواتية لاستمرار النزاع المسلح الطويل الأمد، بغض النظر عما إذا تم التوصل إلى تسوية سياسية بين الأطراف التي تخوض الحرب حالياً، أم لم يتم، وكما يرى العديد من المراقبين، يعتبر استقرار اليمن هو حجر الزاوية للاستقرار في شبه الجزيرة العربية بشكل أوسع، ذلك أن تداعيات عدم استقرار اليمن ستكون إقليمية، إن لم تكن عالمية، وهكذا، وبعيداً عن الالتزام الأخلاقي الذي يوجب منع تكثيف المعاناة الإنسانية الجماعية، فإن المصلحة الذاتية لجميع أصحاب المصلحة المحليين و الإقليميين والدوليين هي الحفاظ على تدفق تحويلات القوى العاملة اليمنية المغتربة.
يتعين على دول الخليج والسعودية على وجه الخصوص إعفاء العمال المغتربين اليمنيين من حملات توطين العمالة الجارية حالياً، على الأقل خلال المدى المنظور، وبمجرد أن يصل النزاع اليمني المستمر إلى حل سياسي وتحقق البلاد نمواً اقتصادياً مستداماً نسبياً – مع ما يتزامن مع ذلك من طلب على العمل يمكن أن يستوعب العمال العائدين – يمكن فقط حينها إعادة النظر في مسألة إعادة العمال اليمنيين إلى بلادهم.[1]
[1]منهج الدراسة: استخدمت هذه الدراسة المصادر الأولية والثانوية. تم الحصول على بيانات أولية من خلال إجراء المقابلات مع محاورين رئيسيين، بما في ذلك مغتربين يمنيين في دول الخليج، ومسؤولين حكوميين منهم مسؤولون من وزارتي المغتربين والشؤون الاجتماعية، فضلاً عن مقابلات مع خبراء أثروا موضوع الدراسة. بالإضافة إلى ذلك، أجرى مؤلفو هذه الدراسة مراجعة شاملة لمصادر المعلومات الثانوية والمفتوحة، بما في ذلك المنشورات السابقة التي ركزت على موضوع الدراسة.