الاصدارات

موجز السياسات

استعادة قدرات البنك المركزي وتأمين استقرار الريال

استعادة قدرات البنك المركزي وتأمين استقرار الريال

مقدمة

كجزء من مبادرة  ”إعادة تصور الاقتصاد اليمني“، اجتمع أكثر من 20 مشاركا من أبرز القيادات التنموية والاقتصادية اليمنية في المنتدى الثاني لقيادات التنمية في الفترة بين 14 و16 يناير/ كانون الثاني 2018 في العاصمة الأردنية عمان. وقد احتلت قضية تدهور قيمة الريال اليمني المرتبة الأولى بين المواضيع المطروحة للنقاش، وما أعقب ذلك من تفاقم شديد للأزمة الإنسانية، والحاجة إلى إعادة تمكين البنك المركزي اليمني بصفته الجهة المسؤولة عن الحفاظ على قيمة الريال والاقتصاد عموماً. هذه الورقة هي حصيلة تلك النقاشات، وتؤكد التوصيات الواردة فيها بمجموعها على ضرورة عمل البنك المركزي اليمني بطريقة أكثر كفاءة و فاعلية – بحيث تعمل جميع فروع البنك بشكل تكاملي بما يجعل البنك قادر على صياغة وتنفيذ السياسات النقدية لعموم اليمن. كما تضم هذه الورقة مدخلات إضافية من قيادات التنمية أضيفت بعد إعلان السعودية في 17 يناير / كانون الثاني أنها ستودع مبلغ 2 مليار دولار في البنك المركزي اليمني.

 

خلفية

أدى النزاع الحالي إلى تعرض اليمن لواحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية المعلنة على مستوى العالم حيث وصل انعدام الأمن الغذائي إلى أرقام قياسية عالمياً بسبب عجز ملايين اليمنيين عن شراء الطعام المتاح في السوق المحلية. كما سبب الصراع الحالي الكثير من الاختلالات التي ساهمت في مفاقمة الأوضاع الحالية، كالإنهيار الإقتصادي العام والفقدان الواسع  لسبل كسب الرزق، بالإضافة إلى إغلاق مطار صنعاء الدولي أمام الحركة التجارية والتضييق على حركة السفن في مينائي الحديدة والصليف، وصعوبات وعوائق النقل الداخلي التي ضخمت تكاليف المستوردين. كما شكلت العوائق المالية  على الاستيراد  والتجارة الدولية صعوبات إضافية، حيث تعاني البنوك اليمنية من صعوبات كبيرة في تحويل الأموال للخارج بسبب الإجراءات المفروضة على البنوك اليمنية بالإضافة لتوقف ترحيل وشحن الأوراق النقدية الأجنبية إلى الخارج بسبب إغلاق مطار صنعاء الدولي، في حين قامت البنوك الأمريكية ومعظم البنوك الأوروبية بإغلاق حسابات البنوك التجارية اليمنية في الخارج بسبب فشل اليمن في الوفاء بالتزاماته بالمعايير الدولية المتعلقة بمكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب.

بالإضافة إلى كل ذلك، كان لتدهور قيمة الريال مقابل الدولار أثراً شديداً في تآكل القوة الشرائية للمواطنين. حيث قفز سعر صرف الريال مقابل الدولار من 215 إلى 530 ريال للدولار الواحد في منتصف يناير 2018 مليار دولار في البنك المركزي). لتحليل أكثر تفصيلاً حول العوامل الرئيسية التي تسببت في تدهور الريال اليمني، يمكن الاطلاع على  نشرة اليمن الاقتصادية الصادرة عن مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية:تجدد انخفاض قيمة العملة وتباين في السياسة النقدية بين صنعاء وعدن.

 

توصيات للبنك المركزي اليمني

  • على البنك المركزي اليمني في عدن ممارسة مسؤولياته وصلاحياته القانونية كاملة وفقاً للقانون رقم 14 لسنة 2000 وتعديلاته عام[1] يشمل ذلك إدارة جميع الحسابات الحكومية بالعملة الأجنبية في اليمن.
  • إدارة طباعة وإصدار العملة المحلية بما يضمن التوازن الأمثل بين تخفيف أزمة السيولة النقدية والحفاظ على قيمة الريال اليمني من الهبوط. يجب أن يكون المقياس في هذه المعادلة هو الحفاظ على القوة الشرائية للفرد بالمقارنة مع السلع الأساسية، والتي يتوجب على البنك المركزي السعي لرفعها بأقصى قدر ممكن.
  • إنشاء آلية تنسيق مع البنوك اليمنية والصرافين والجهات الفاعلة الكبيرة في القطاع الخاص فيما يتعلق بالحفاظ على استقرار قيمة العملة المحلية. تتعلق الحاجة الفورية لهذا اً؛ كما ينبغي أن يكون هدف التنسيق بين البنك المركزي والبنوك والصرافين والجهات الفاعلة في القطاع الخاص هو تقوية تأثير الوديعة الجديدة على الاستقرار الاقتصادي وزيادة قدرات البنك المركزي على تسهيل استيراد السلع الأساسية، وفي الوقت نفسه تقليل معدل إنفاق البنك المركزي من هذه الاحتياطيات.
  • تفعيل السياسات النقدية والإجراءات القانونية وآليات التنسيق مع البنوك اليمنية وكبرى الجهات الفاعلة في القطاع الخاص للحد من المضاربة والتلاعب بسعر العملة. واتخاذ الإجراءات القانونية الرادعة ضد المتلاعبين والمضاربين في أسعار الصرف، بما في ذلك إغلاق النشاط وسحب التراخيص عن أي متلاعبين بأسعار صرف العملة.
  • البدء بتزويد البنوك التجارية بالفوائد المستحقة على أذون الخزانة من أجل تعزيز سيولة القطاع المصرفي وتشجيع البنوك على دفع الفوائد على ودائع العملاء. وبالنظر للنسبة الكبيرة من أصول البنوك اليمنية المستثمرة في أذون الخزانة، ستضخ الفائدة المدفوعة سيولة كبيرة في القطاع المصرفي، وبالتالي ستتمكن البنوك من استعادة ثقة عملائها.
  • على قيادة البنك المركزي الانتقال بشكل دائم إلى اليمن. مع أن الظروف الراهنة في اليمن تمثل بيئة عمل صعبة، إلا أن القيام بمهام قيادة البنك المركزي من خارج اليمن – كما هو الحال مع القيادات الحالية المقيمة بين عمان والرياض – غير فعال إطلاقا حيث لا يمكن أن يعمل أي بنك مركزي بشكل صحيح دون أن تتواجد قيادته في موقع العمل.
  • لتعزيز الشفافية، على البنك المركزي اليمني إعداد تقارير شهرية وفصلية وسنوية ومشاركتها مع المعنيين المحليين والإقليميين والدوليين، وتشتمل على ميزانيات البنوك العاملة في اليمن والبيانات التي تحدد مستوى السيولة في السوق المحلية.
  • إعادة تفعيل وحدة جمع المعلومات المالية.
    • على الرغم من أن المقر الجديد لوحدة جمع المعلومات المالية سيكون في عدن، إلا أن عليها البحث عن سبل لتنفيذ مهامها في جميع أنحاء اليمن، بما في ذلك في صنعاء، بهدف زيادة الكفاءة.
    • على الوحدة أن تستأنف اجتماعاتها الدورية وتنسيقها مع فريق العمل المالي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وغيره من المنظمات، لضمان امتثال عمليات وممارسات البنوك اليمنية للمعايير الدولية.
    • اضطرت الكثير من البنوك الاجنبية في الخارج إلى إغلاق حسابات البنوك اليمنية نتيجة لارتفاع مخاطر الامتثال على البنوك اليمنية. من شأن إعادة تفعيل وحدة جمع المعلومات المالية أن تشكل خطوة إيجابية نحو الحد من مخاطر الامتثال والسماح للبنوك اليمنية بإعادة فتح حساباتها مع البنوك الاجنبية في الخارج.

 

توصيات للحكومة اليمنية

  • على الحكومة إيداع كافة حساباتها بالعملات الأجنبية في البنك المركزي اليمني، وفقا للقانون اليمني. (لدى الحكومة اليمنية حالياً حساب لدى البنك الأھلي السعودي حيث تم إيداع إيرادات الصادرات النفطية إليه حتى نهاية 2017م).
  • تحسين آليات تحصيل الإيرادات الحكومية –المتعلقة بالضرائب والرسوم الجمركية وعائدات النفط والغاز– والتأكد من إيداع هذه الأموال في الحسابات التي تحتفظ بها الحكومة لدى البنك المركزي اليمني. وينبغي أيضاً النظر في التدابير الفعالة لمكافحة الفساد كأحد أهم وسائل رفع الإيرادات الحكومية.
  • إعداد التقارير الاقتصادية الشهرية والربع سنوية والسنوية الخاصة ومشاركتها مع أصحاب المصلحة المحليين والإقليميين والدوليين لتعزيز الشفافية. ينبغي أن يتضمن ذلك تحديداً بيانات تتعلق بالإيرادات والنفقات الحكومية. وينبغي أيضاً عرض الموازنة على البرلمان للمصادقة عليها بمجرد أن يستأنف البرلمان جلسات انعقاده.
  • عدم تغطية النفقات الحكومية من خلال وسائل تضخمية، كطباعة العملة المحلية.
  • إلغاء التعليمات السابقة التي نصت على تحصيل إيرادات الدولة نقداً، والتي أدت إلى سحب السيولة النقدية إلى خارج القطاع المصرفي، كما يؤدي استخدام النقد في تحصيل إيرادات الدولة أيضاً إلى ارتفاع مستويات الفساد الحكومي ويزيد من مخاطر فقدانها، نظراً لانعدام الأمن إلى حد كبير. بدلاً من ذلك، ينبغي تشجيع استخدام الشيكات في تحصيل إيرادات الدولة.
  • إعادة تفعيل اللجنة الوطنية لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب والتي توقف عملها منذ بداية الحرب. إعادة تفعيل هذه اللجنة ستشكل خطوة إيجابية نحو الحد من مخاطر الامتثال.
  • تشكيل فريق استشاري لمساعدة الحكومة في السياسات المالية والاقتصادية بالتنسيق مع البنك المركزي.
    • ينبغي أن يتألف الفريق الاستشاري من ممثلين عن مؤسسات الدولة واقتصاديين بارزين وممثلين عن جميع القطاعات الاقتصادية الرئيسية.
    • ويمكن أن يعمل هذا الفريق أيضاً كمجلس استشاري للشؤون الاجتماعية والاقتصادية للحكومة اليمنية، وكذلك للشركاء الإقليميين والدوليين.
  • بالنظر إلى أهمية إيرادات الموارد الطبيعية بالنسبة للناتج المحلي الإجمالي اليمني والنفقات الحكومية، على الحكومة اليمنية السعي لزيادة إنتاج وتصدير النفط والغاز وصولاً إلى مستويات ما قبل الحرب.
  • التباحث بشكل عاجل مع المملكة العربية السعودية من أجل إلغاء أو تأجيل أو على الأقل تخفيض الرسوم التي فرضت على اليمنيين المغتربين في السعودية، أو إيجاد اَلية لتعويضهم مقابل إبراز سند تسديد الرسوم، مما يسمح للمغتربين اليمنيين بإرسال المزيد من التحويلات إلى اليمن.

 

توصيات للدول الأعضاء في التحالف العربي بقيادة السعودية وللمجتمع الدولي

  • إيداع ودائع إضافية من قبل دول مجلس التعاون الخليجي لدعم البنك المركزي في استقرار الريال وتسهيل استيراد السلع الأساسية واستئناف تقديم الخدمات العامة الأساسية.
  • مساعدة البنوك اليمنية في الحصول على تسهيلات تمويلية للمستوردين اليمنيين بما يمكنهم من شراء السلع الأساسية من الخارج.
    • السماح باستئناف الرحلات الجوية لنقل الأوراق النقدية من العملات الاجنبية بما يمكن البنوك اليمنية من ترحيل فوائض النقد من العملات الاجنبية وتغذية حساباتها في البنوك الخارجية.
    • التسريع في إنشاء وتفعيل اَلية تمويل التجارة لاستيراد الغذاء والتي كان البنك الدولي قد أعلن عنها في أبريل 2017م.
  • تقديم الدعم الفني والمساعدة في بناء قدرات البنك المركزي حتى يتمكن من ممارسة مهامه.
    • ينبغي أن يشمل بناء القدرات الدعم الفني، والتدريب، والدعم بالخبراء والمستشارين للمساعدة في تحسين العمليات والأنظمة الداخلية للبنك. على سبيل المثال، من شأن تركيب واستخدام أنظمة تكنولوجيا المعلومات الحديثة أن يساعد البنك المركزي على إدارة الموازنة العامة للدولة والتعاملات الدولية وغيرها من وظائف البنك المركزي.
  • على دول التحالف التي تراقب وتنظم دخول السفن إلى موانئ البحر الأحمر اليمنية عدم منح تصاريح استيراد النفط ما لم يقدم المستورد جميع الوثائق اللازمة المتعلقة بآلية دفع قيمة الشحنة (على سبيل المثال، الاعتماد المستندي والنقل التجاري وما إلى ذلك).
    • من شأن هذا الإجراء أن يحقق هدفين مهمين: المساهمة في السيطرة على سوق صرافة العملات الأجنبية في اليمن، والمساهمة في الحد من شحنات النفط الغير مشروعة
  • على المجتمع الدولي تكثيف ضغوطه على سلطات الحوثيين في صنعاء لوقف التدخلات السياسية في عمل القطاع البنكي.
    • على سبيل المثال، أمر الحوثيون في صنعاء مؤخراً بتجميد أكثر من 1,200 من الحسابات البنكية التابعة لأفراد ومؤسسات. هذه الخطوات تؤدي إلى نزع الثقة بالقطاع البنكي وتشجع خروج النقد من النظام البنكي.

 


[1] لمزيد من التفاصيل، انظر: البنك المركزي اليمني، "القانون رقم 14 لسنة 2000م بشأن البنك المركزي اليمني"، متاح على: http://www.centralbank.gov.ye/App_Upload/law14.pdf (تم الوصول للملف تاريخ 3 فبراير 2018).

أقرا أيضًا في موجز السياسات

آثار الصراع على قطاع الاتصالات في اليمن

يناير 11، 2021 موجز السياسات
يمثّل قطاع الاتصالات وتقنية المعلومات في اليمن مكونا أساسيا من مكونات البنية التحتية الوطنية، فله دور مهمّ في النمو الاقتصادي؛ إذ يعدّ القطاع أحد أهم المصادر الإيرادية للدولة بعد قطاع النفط، كما يسهم في توفير عدد من فرص العمل المهمّة المباشرة وغير المباشرة من خلال ارتباطه بقطاعات أخرى في الاقتصاد الوطني.

خلق فرص عمل جديدة في اليمن

أكتوبر 17، 2018 موجز السياسات
أدت عقود من عدم الاستقرار السياسي والنزاع المسلح الدوري إلى تقليص النمو الاقتصادي لليمن وفرص العمل ومستوى الإنتاجية، فقبل اندلاع الصراع الحالي، كان جزء كبير من السكان العاملين في البلاد منخرطين في عمالة غير محترفة، وتعمل في الزراعة الريفية أو بشكل غير رسمي في الأعمال التجارية الصغيرة، وفي الآونة الأخيرة قام الصراع المستمر بتدمير حركة التجارة الاعتيادية وترك ملايين اليمنيين دون وسيلة لإعالة…

أهمية رفع فاعلية الاستجابة الإنسانية في اليمن

أبريل 10، 2018 موجز السياسات
تم اجتماع أكثر من ٢٠ مشاركا ومشاركة من أبرز القيادات التنموية والاقتصادية في اليمن لمناقشة أهم التحديات التي تواجه البلاد في منتدى قيادات التنمية الثاني الذي عقد مؤخرا ضمن مبادرة "إعادة تصور اقتصاد اليمن". كانت الحاجة إلى زيادة تغطية وكفاءة التدخلات التي تقوم بها المنظمات الإنسانية الدولية ووكالات الأمم المتحدة للتصدي للأزمة الإنسانية في اليمن من أبرز المواضيع المطروحة في المنتدى.